داعيَة سائح ومبعوث الرابطة إلى العالم
عَرَفْتُ هذا العالِمَ الداعيَة في حِجَّتي (الثانية) إلى بيت الله الحرام سنة (1409هـ = 1988م)، إذ كنتُ يومَها مدعُوًّا وضيْفًا على وزارة الحجِّ والأوْقاف؛ وأذْكُر أنَّ جمْعًا من الحُجّاج بمَشْعر مُزْدَلِفة ـ وأنا منهم في هذا المكان تحديدًا ـ بعْد أن قُمْنا واصْطَفَفْنا لنُصَلِّيَ الفجْر، وإذْ بالشيْخ عبد الرحمان خُلَيْف يتقدَّمُنا إمامًا لأداء الصلاة.
فكانتْ هذه الصلة الجميلة: “نُقْطةَ” انْطلاق جليلة، للتعَرُّفِ عليْه، والجلوسِ إليْه عن كَثَب فيما بعد.
وهذه لَمْحَة عنْ حياتِه وآثاره أُسَجِّلُها للتّاريخ ولتعريف الأجيال به في كُلِّ مكان:
- مِنْ مواليد مدينة (القيروان) في الخامس من شعبان سنة (1335هـ) الموافق لـ (27 ماي 1917م)، (توفي سنة 1427 هـ = 2006م) رحمه الله.
- أخذ القرآنَ الكريم عن المؤدِّب عليَّة بن غانِم، فأتَمَّ حفظه عنده في (ثلاث) سنوات، أي في شهر رجب سنة (1350هـ = 1931م).
- ثم دخل فرْعَ المعهد الزيتوني بالقيروان، ليتعلّم فيه علومَ العربيّة والشرع الشريف، وذلك في شهر جمادى الأولى سنة (1350هـ)، الموافق لشهر سبتمبر عام (1931م).
- ثم انتقل منه إلى مقرّ (جامع الزيتونة) المعمور بتونس، لِيَزْداد منْه عِلْمًا ومَعْرِفة، وذلك في سنة (1353هـ = 1934م)؛ حتى حصل على كل الشهادات، وهي كالتالي:
- الأهلية سنة (1355هـ = 1936م).
- التحصيل في القراءات السبعة، سنة (1358هـ = 1939م).
- التحصيل في سائر العلوم، سنة (1359هـ = 1940م).
- العالِميّة في فنّ القراءات، سنة (1360هـ = 1941م).
- العالِميّة في العلوم (قِسْم أدبي) سنة (1363هـ = 1944م).
- مِنْ شيوخِه الأعلام: الهادي بن محمود، ومحمد الباجي، ومحمد العلّاني، ومحمود صدّام، ومحمد بوراس، ومحمد الشاذلي النيفر ـ رحمهم الله جميعا وأثابهم ـ
- كان أوّل عهده بالتدريس ـ بعد مناظرة عُقِدَتْ له في سنة (1362هـ = 1943م) خلَفًا للشيخ عبد الملك فرحات الذي توفي في تلك الفترة رحمه الله. ثم دخل مناظرة ً أخرى لِيَتِمَّ تعيينُه ـ بعد فَوْزِه ـ مدرّسًا ببَلْدة حَمَّام الْأَنْف من ضواحي تونس الجنوبيّة لِمُدَّة تُقاربُ (9) سنوات، أي: من (1364هـ = 1944م) إلى (1372هـ = 1952م).
- وبعد أن استقرَّ بمدينته: (القيروان) ـ عاصمة الفتح الإسلامي ـ وذلك في شهر أكتوبر عام (1952م = 1372هـ)، على إثر حادث مرور فظيع، أُصيب من أجله بكسر عميق في العمود الفقري، مما ألْزَمَه الفراش مدَّة أربعة أشهر.
وبعد أن تماثل إلى الشفاء، انْطلق يَجِدُّ ويعمل على النحو التالي:
ـ بَعْثَ “الإملاءات القرآنية” بعدَّة مساجد؛ وعَقْد حَلْقة عقب صلاة المغرب بجامع عقبة تحديدًا لقراءة حزْب من القرآن الكريم بصفة يوميّة، منذ سنة (1372هـ = 1952م)، وهي لا تزال قائمة إلى اليوم.
ـ توَلّيه الإشرافَ على إدارة فرع المعهد الزيتوني بالقيروان سنة (1376هـ = 1956م).
ـ تعيينه من قِبَل وزارة التعليم: “أستاذًا” بـ:
- الثانوية الزيتونية من عام (1954م) إلى عام (1956م).
- الثانوية المختلطة من عام (1956م) إلى عام (1960م).
ثم نُقِلَ تَعَمُّدًا وأُبْعِدَ ـ إلى المعهد الثانوي للذكور بمدينة سوسة في عام (1962م) حتى عام (1970م = 1390هـ).
ثم أُعِيد ـ بعد تدَخُّلاتٍ وشفاعات ـ إلى القيروان ليعمل في مدرسة ترشيح المعلمين، ثم مُرشدًا بيداغوُجيًّا للتربية الإسلامية.
وكانت آخرُ وظائفِه الرسميّة: تعيينُه متفقّدًا أوّل بسلك التعليم الثانوي في عام (1388هـ = 1968م)، إلى أن أُحيل على (التقاعد) في سنة (1403هـ = أكتوبر 1982م).
- مِن أنشطته وأعماله المتنوّعة والمتعدّدة:
- الإمامة، والخطابة، والتدريس، وإملاء القرآن، بجامع عقبة بن نافع، وقد ظلّ على هذا السَّنَن سِنِين عديدة، إلى أن وَهَنَتْ قُواه، فكانت آخِرُ دُرُوسِه وخُطَبِه في عام (1426هـ = 2005م)، أي: مدة (35) سنة.
- كان يسافِر ويصول ويجول داخل الوطن وخارجَه، لِيُتابِعَ الأنشطة الدينيّة، القائمة في مُدُن: (القَصْرَيْن) و(سْبيطْلة)، وغيرها؛ أو يحضُر (دورات إعداد الأئِمَّة والدعاة) تحت إشراف رابطة العالم الإسلامي ـ (ومَقَرُّها: مكة المكرَّمة) ـ فسافَر بإيعازٍ منها إلى عِدَّة بُلدان، مثل: (أندونيسيا / جُزُر القُمُر / جزر المالديف / بلجيكا / هولاندة / فرنسا).
- مشاركاتُهُ بالحضور وإلقاء (المحاضرات) في المُلْتقيات الفكرية، والندوات الإسلامية، التي تُعْقَد في بلدان: (الجزائر/ المغرب / ليبيا / مصر / بروكسل: (حيث المركز الإسلامي فيه).
- انتدابُه من الكلّية الزيتونيَّة للشريعة وأصول الدين في عام (1398هـ = 1977م)، لتدريس مادة علم القراءات فيها.
- شارك بالعُضْويَّة في لَجنة تحكيم (المسابقة الدُّوَليَّة) لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره في مكة المكرّمة سنة (1418هـ = 1997م).
- انْتُدِبَ عُضْوًا (دائما) بالمجلس الإسلامي الأعلى في الجمهورية التونسية من سنة (1409هـ = 1988م) إلى حين وفاته سنة (1427هـ = 2006م) أي: مدّة (18) عامًا.
- قدَّم برامج “سمعيَّة // وبصريَّة” في شكل حوارات وتوجيهات، شارك بها في إذاعتَيْ: (صفاقس) و(المنستير) الجِهَوِيَّتّيْن؛ كما ساهم في إنتاج المسلسل التلفزيوني: (السلام عليكم) لقناة اِقْرأ الفضائيَّة، وللتلفزيون التونسي في موضوعاتٍ: دينية، وتربوية، واجتماعية.
كما أسهم في مسلسل آخر لـ (رَادْيو وتلفزيون العرب)، عنوانُه: (الحلُّ بيْن يديْك).
- إقامة دوْرة قارّة في حفظ القرآن مدّتُها: (6) سنوات، بمدينته: (القيروان)، يشارك فيها الراغبون: صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا؛ ممّا حثّه على بعث (دار القرآن) لتحفيظه وتعليم علومه، من تونس وخارجها.
- مُؤَلّفاته
للشيخ عبد الرحمان خُلَيْف قَلَمٌ ثَرّ، خَطَّ به (المقالات) وكذلك (المؤلفات)، بعضها بمفرده وبعضها بالاشتراك، منها:
آفاق الصيام في الإسلام // اللسان العربي بين الانتشار والانحسار (صدر في مكة ضمن سلسلة (دعوة الحق / عدد 101) سنة 1410هـ = 1990م) // التربية من الكتاب والسنّة // العقيدة والسلوك // كيف تكون خطيبا (ط. القيروان 1994) // أيْن حظ الإسلام من لغة القرآن // تنوير المسالك لأداء المناسك… وغيرها.