الأستاذ صالح العَوْد
- قصّتها (الأولى) تتمثل في شهرتها (الباريسية)، وِفاقًا لأعمالها الفنّيّة، بما فيها المسرحية، والتي قامت بها رِدْحًا من الزمن.
- أمّا شُهرتها (الثانية)، فكانت من خلال إسلامها، وهي في نظري علامة فارقة بين حياتَيْن: حياة الجاهلية، ثم انتقالها إلى حياة روحيّة، لذلك اتخذت بعد هذا التحوّل الجديد، اسْما ثنائيًّا، عُرِفَتْ به إلى أن رحلت إلى الدار الباقية، ألا وهو: <<روحيّة نور الدّين>>.
- أمّا عن قصّة إسْلامِها، فهي ذات عجَب، يُحْكى عنها: أنّها كانت تتردّد من حين لآخر على بلاد المغرب الأقصى، من أجل السياحة والاستجمام والاستراحة؛ وبالتالي فقد مَلَكَتْ عليها تلك (الرحلات) المتعدّدة بِشَغافِ قلبها، وأَسَرَتْ فِكْرَها، وشدّتْ نظَرَها مناظِرُها الخلّابة، وحُسْن معاملة أهل البلاد من سائر العباد، ومُكَوِّنات المجتمع المدني، حتى ساقها القَدَر الأعلى إلى رحاب الإسلام، فأسْلَمتْ حينَئِذ بحرارة روحها الفِطْرِيَّة، ونطقتْ بالشهادتَيْن، في عام: 1918 م.
- وهنا، فكّرتْ مَلِيّا، في ترك أعمالها التي جادَتْ بها قريحتُها، وأبدعَتْ في مجال تخصّصها الفَنِّي على التَّخلِّي نِهائِيّا عن ذلك، والتنازل عمّا أقدمتْ عليه من أعمال وأدْوار، ليس بالأمْر الهيِّن، وكذلك كان لها “صالونها” الأدبي – فهي تنحدر من عائلة راقية وأشهر مَن فيها: شاعر فرنسا الكبير الفُنْس لامارْتين – Lamartine- وهو يقع في قلب العاصمة باريس بالحي الرّاقي والوجيه ( لانفليد Les invalides) وفيه يجتمع بها عِلْية القوم من النبلاء، وكذلك وجوه المسرحيّين اللّامِعة، وكبار النجوم في عصرها المتألّق، في الفترة ما بين (1905-1913م).
- وفي النّهاية قرّرتْ وصمّمَتْ على، ترك باريس (عاصمة النور) إلى غَيْرِ رجْعَة واتّجَهَتْ نحو بلاد مِصْر، لِتُقيمَ فيها إلى نهاية حياتِها، في أجْواءِ الشرق الدافِئَة، وبُحبوحَة ظلال الإسلام. ولمّا وصلتْ إليْها في عام (1920م)، اختارت الإقامة في الرّيف المصْري تحديدا دون غيره من الأقاليم. وبعد أن اطمأنّ بها المُقام، أخذت تنشط في مُحيط أُسَر الفلّاحين السُّذَّج، بمَوْهِبَتِها ك”مُرْشِدة” اجتماعيّة متواضعة، و”معلمة” لأبنائِهم وبناتهم، والرّفْع من مستواهم المُتدَنِّي. وكانت إلى ذلك، تقوم بتحرير”مقالاتٍ” من حين لآخر، وتبعث بها إلى مجلة الحريّة La liberté) بالفرنسيّة). ثم تولّتْ إنْشاء (مجلة) لها أطْلَقَتْ عليها اِسْم: فينيكس la Phénix))، وجعلتْ منها لسان الدّفاع عن الشرق، وبيان حضارة الإسلام، والدعوة إلى محاسنِه وتعاليمِه؛ وهو الدين الذي طالما فُتِنَتْ به، وتعرَّفَتْ عليه، فَأَحبَّتْه، ثم اعتنقته عن طواعيَة، وفي صِدْق، وبإخْلاص.
- وفي آخِر حياتِها، تعرّفَتْ فالَنْتين Valentine de St Point = روحية نورالدين على الفيلسوف العظيم والشهير: رينيه جينو René Guiéno والذي كان أصيل مدينة (باريس)؛ وقد أسْلَم هو أيْضًا، وتسَمّى باسْم عبد الواحد يَحْيَى؛ ثم سبقها إلى الهجرة الدائمة، وأقام بمدينة القاهرة، وعاش فيها، وتزوّج من بعض أهلها، إلى أن توفيّ راضيا مرضيا عام (1371هـ =1951م) ودُفِن في إحدى مقابرها رحمه الله.
- فانتقلت على إثْر ذلك إلى مدينة (القاهرة)، لتُكْمِل بقية حياتها، متفرّغة للخلْوَة، والعبادة، وانقطاعٍ دائم ودائب إلى الله عز وجل، وفي أجواء رحاب الأزهر الشّريف؛ إلى أن جاء أجلُها المحتوم في (14/مارس/سنة 1953م)، عن (78) عامًا، ودُفِنَتْ في مقابر المسلمين. رحمها الله.
بقلم الأستاذ صالح العَوْد رئيس مركز التربية الإسلامية/باريس