موقع إقـرأ إفادةخواطريعوامل الارتقاء عندي في مستوى (اللغة العربية): أربعة رجال

محتوى ذو صلة

المؤلف

الشيخ صالح العود

المؤلف

• مُجاز في الشريعة من جامعة الازهر.

• باحث وكاتب في شؤون الدين والتربية والتعليم.

o ثلاثون عاما إذاعيا.

o خمسون عاما في مهنة التعليم.

• له مائة كتاب مطبوع في مختلف الموضوعات والموادّ العلمية.

• رصيده من المقالات تعد بالمئات، نشرت في عديد من الصحف والمجلات.

• حاضر وشارك في ندوات وملتقيات.

عوامل الارتقاء عندي في مستوى (اللغة العربية): أربعة رجال

بقلم: صالح العَوْد / فرنسا

نشأتُ – والحق يقال – على حبّ (اللغة العربية)، والعنايةِ بتعلّمها، والاهتمامِ بمطالعة الكتب فيها، منذ أن عرفتُ الطريق إلى المدرسة الابتدائية – واسمها: (الفَوْز) – وجلستُ على المقاعد في فصولها الواحدَ تِلْوَ الآخر، والذي أتذكّره الآن ولا أنساه: حينما كنت تلميذا صغيرا في مستوى (السنة الثالثة)، كان معلّمي في مادّة (اللغة العربية): هو السيّد الطَّاهرُ بُوشَعَّالَه – أَحسَبُه والله أعلم من الرّيف التونُسي – فهو الذي حَفَزَني على حبّ (اللغة العربية)، دونما شدّة أو قسوة، خصوصا في تلك العُهود الصَّارِمَة مِن أهل الفكر ورِجَال التعليم..

ثمّ انتقلتُ بعد ذلك تَدْرِيجِيًّا حتى وصلتُ إلى مستوى (السنة الخامسة)، فكان معلّمي الأَوْحَدُ فيها: هو السيّدُ عليّ الجَمَل، وقد كنتُ مُعْجَبًا به لِرَوْعة انتقائه: الدّروسَ والنّصوصَ لمادّة (اللغة العربية)، فيقدّمها لنا منسوخة بآلة السِّنْسِل – إذ لم تكن آلة التصوير (la photocopieuse) قد ظهرت أو وصلت إلى مدرستنا (الفوز) في ذلك الزمان – سنعالج النصَّ: شَكْلًا، أي: وضْعُ الحركات على الكلمات، ثمّ استخراجُ ما عَسُرَ علينا فهمُه من كلمات غامضة، ثمّ نتولّى إعرابَه كلَّه: كلمةً / كلمة، ثمّ يُعَيِّنُ لنا (فِعْلا) للتصريف مع جميع الضمائر، يتلوه استخراجُ اسمِ الفاعلِ والمفعول والمصدر، ثمّ يختم الدرسَ – وكان يسْتَغرق قُرَابةَ ساعة من الزمن – بتَكْلِيفِنا كتابةَ مَوْضُوع الإنشاء بما لا يَقِلُّ عن عشرة أسْطُر، وأحْيَانًا يطرحُ علينا مَوْضُوعين اثْنَين، نختارُ أَحَدَهُما نحن التلاميذ.. وأخيرا، يكون (تصحيح) جميع ما قُمْنَا بِه على السبّورة السَّوْدَاء وليست الخَضْراء، في صورة جماعية، وبِدِقَّةٍ مُتَناهِيَة..

ولمّا ارتَقَيْتُ إلى المَعهد الثَّانَوِي – بعد نجاحي في ختمِ دروس المرحلة الابتدائية، وظهَرَ اسمي كسائر التلاميذ في الجريدة الإخباريّة، وهي (الصباحُ) على ما أظنُّ – كان مِن حُسْنِ حظّي، وعنايةِ ربّي، أن يتولّى تَعْلِيمَنَا مادّة (اللغةَ الغربية): أستاذٌ قدير لا نظيرَ له: جَوْدةً ودِقّة، وصَرَامة مُتَنَاهِية.. وكان هذا الأستاذُ الجليل: قصيرَ القامة، حادَّ الذِهْن، يُشيرُ بيَدَيْه، وأحيانا بعَيْنَيْه، قبلَ أن يتكلّمَ ليَأْمُرَ أو يَنْهَى، فطَرِبْتُ له، ووقع في نفسي حبُّه، واحترامُه، وعزمتُ مُنْذُئِذٍ على مواصلة الاستفادة منه في حصّة (اللغة العربية)، بحرصٍ شديد ومُتَواصِل..

كان هذا الأستاذ الفاضلُ المحترَمُ: أصيلَ مدينة صَفَاقس، ويُدْعَى السيّدُ أنس الـﭬَرْﭬُورِي – وقد علمتُ فيما بعدُ، أي: حينما كَبِرتُ وبَلَغْتُ من العمر عِتِيًّا – أنّه زَيْتُونِيٌّ ويَحْفَظُ القُرآنَ، وعلى إثْرِ تخَرُّجه من (جامع الزيتونة) المَعْمُور سَافَر إلى مصرَ في مُنتَصفِ الخَمْسِينِيَّات ليسْتَزيدَ من العِلم، فدَخل جامعةَ القاهرة ليتخصّص في (آداب اللغة العربية)، وقد استفادَ – كما قال – من أجلّاء أساتذتها، منهم: طه حُسَيْن عميد الأدب العربي، وشَوْقي ضَيْف رئيسُ مَجْمَع (اللغة العربيةوسُهَيْر القَلَمَاوِي وغيرِهم..

درستُ على أستاذي هذا سنتين مُتَتَابِعَتَيْن، وهو لا يزالُ حَيًّا يُرزقُ، بعدَ أن بلغ (ثمانيَ وثمانينَ) عامًا، وهو يَتَمَتَّعُ حتى الآن بذاكرةٍ قويّةٍ وقّادَة ومَخْزون عِلميّ جذّاب عجيب، وقد كنتُ أطْرَبُ في المُذاكَرَةِ مَعَه كلّما زُرتُه في بَيتِه، مُستَنْشِقًا بِمَعِيَّتِه (عَبَقَ) الماضي والذكريات زمنَ الدراسة عليه في (المَعهد الثانوي للذكور بصفاقس).

أمّا المحطّةُ الثانيةُ – وهي الأهمُّ في مِشوار تعلِيمي في هذا المَعْهَد العَتيدِ بالذّات – فهو: أستاذي الشهير، وشاعِر (صفاقس) القدير، الذي كان يصنعُ القصائدَ، ويضَعُ الأشعار في لَمْحِ البَصَر، إنّه السيّد محمّد الشَّعْبُونِي رحمه الله، وبه كانت خاتمتي في تعلّمي (اللغةَ العربية) بِمَسْقَةِ رأسي، لأتحوّلَ بعد ذلك – والحمد لله – إلى مواصلةِ دراستي خارجَ أرضِ الوَطَن، واستكمالها على نِطاقٍ أوْسَعَ وأرْحَب.

آخر المواضيع