قال الله عز وجل في سورة البقرة
المعنى العام : اُستُهِلَّت هذه الآية الكريـمة بـخطاب عباد الله من الـمؤمنين والـمؤمنات في كل زمان ومن كل مكان، وهو تشريف لهم وتكريم، كما قال تعالى في آية أخرى: (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سرًّا وعلانية مِن قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ) سورة إبراهيم.
قال الإمام الحسن البصري رضي الله عنه: إذا سمعت الله تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا ) فارفع لها سمعك، فإنه لأمرٍ تؤمر به، أو نهيٍ تُنْهَى عنه.
ومعنى (كُتِبَ) : فُرِضَ عليكم، هذا الصيام لِمَن قَدَر عليه، بشروط معلومةٍ من الدين بالضرورَة، وكما هي في الشريعة: الإسلام، البلوغ، والعقل، والصحَّة، والإقامة ؛ ومن هنا فلا يجب الصيام على الصغير، أو المريض، أو المس، أو المجنون، أو المسافر، ولا كذلك على الحائض والنفساء.
وخلاصَة “الأمْر” في ذلك: أنَّ الآية الكريمة أوجبت الصيام على العموم، وأًعْفِيَ منه من له عذر مشروع، أو عاهة دائمة، أو سبب مؤقَّت. وللتفصيل في هذا الشأن: الرجوع إلى العلماء أو الأطبَّاء:كلٌّ في مجال اختصاصه، وكذلك لكتب “الفقه” المعتبرة، أ تلك التي أُلِّفَتْ في موضوع “الصيام” بالخصوص، وكتبتُ فيه كتابيْن اثنيْن، هما: (الصيام في الإسلام)، و(خلاصةُ الكلام في أحكام الصيام) والحمد لله.
ومَعْنى (الصيام) لُغَةً: التَّرْك. وشرْعًا: الْاِمتناع عن الأكل، والشرب، وشهوة الفَرْج، في فَتْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ تمتدُّ من طلوع الفجْر إلى غروب الشمس. ومشروعية “الصيام” هذا، كانت سابقةً علينا عند الكثير من الأمم والشعوب الماضية ؛ وقد ذكر أهل التاريخ: أنَّ أوَّل مَن صام رمضان، هو نوح عليه السلام؛ وقال قتادة – وهو من التابعين- : وقد صامَه أُمَمٌ قَبْلَه.
والأمْر الشرعِيُّ إذا عَمَّ سَهُلَ، ولهذا أعْلَمنا الله به كما قال: (كما كُتِبَ على الَّذين مِنْ قبْلكم)، أي: لم تُكَلَّفُوا به وحدكم يا أمَّة محمد، بل كُلِفَ به من كان قبلكم من الأُمَم.
ثم ذكر تعالى في خاتمة الآية: الحكمة الجزيلة من هذا الفرْض والفريضة بقوله: (لعلكم تتَّقون)، أي: عساكم أيها الصائمون وكذلك الصائمات تبتعدون وتتخلَّصون من الآثام، وسائر المعاصِي، اقتراف السيئات.
والحقيقة، أنَّ للصيام في شهر رمضان: روحانية جاذبيَّة تصعد بأرواح الصائمين والصائمين والصائمات إلى الملأ الأعْلى: وهو عالم الملائكة والروحانيات.
ولذا، ورَد في الحديث الشريف: “الصوْم جُنَّة” أي: وقايَة من السقوط في الذنوب، والتلوث بآثار المعاصي المحتملة في شهر رمضان، وهو أيضا رعايَة للصحة، وشفاء من بعض الأمراض الباطنة، والأدواء الظاهرة، الناتجة عن الإفراط في تناول اللَّذَّات، وهو ما نبهت إليه الآية الكريمة: (وكلوا واشربوا ولا تُسرفوا إن الله لا يحب المسرفين)، وإذ جمعت وأوْعَت “مبادئ” الصِّحَّة، و”أصول” الاقتصاد وعدم الإسراف، في بِضْع كلمات.