موقع إقـرأ إفادةمــقالاتيداءُ العَصْر الحديث:  الوقايَةُ مِنه خيْر من العِلاج

محتوى ذو صلة

المؤلف

الشيخ صالح العود

المؤلف

• مُجاز في الشريعة من جامعة الازهر.

• باحث وكاتب في شؤون الدين والتربية والتعليم.

o ثلاثون عاما إذاعيا.

o خمسون عاما في مهنة التعليم.

• له مائة كتاب مطبوع في مختلف الموضوعات والموادّ العلمية.

• رصيده من المقالات تعد بالمئات، نشرت في عديد من الصحف والمجلات.

• حاضر وشارك في ندوات وملتقيات.

داءُ العَصْر الحديث:  الوقايَةُ مِنه خيْر من العِلاج

صالح العَوْد/ باريس

كُنْتُ أعددْتُ فيما مضَى “دِراسَةً” غيْرَ مَسْبُوقة لبعْض الدوائر الصحيّة، عن عناية الإسْلام الفائقَة بالصحّة البشريّة عامّة، ورعايته الخاصّة لبعْض الأفراد الزمْنَى، وأنواع فريدة من الأوبئة القاتلة.

فإنّ سيّد الخلْق محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم ـ وهو الرحْمة المهداة ـ قد نادى منذ فجْر الإسلام، قائلًا: “يا عبادَ الله! تَدَاوَوْا، فإنّ الله لم يَضَعْ داءً إلّا وَضَعَ له شفاءً”؛ وفي لَفْظ آخر: “إنّ الله لم يُنْزِلْ داءً إلّا أنزل له شفاءً، عَلِمَه من عَلِمَه، وجَهِلَه مَن جَهِلَه”.

وعمليًّا فقد كان رسولُ الرحْمة صلى الله عليه وسلم يُرْشِدُ المرْضَى في عَهْدِه، أن يكونوا على اتصال معَ أطبّاءِ زمانِه، وهم قلّة قليلة، أمثال:

  • الحارث بن كَلَدة من المدينة، وكان طبيبًا نَصْرانيّا.
  • الشّمَرْدَلُ بنُ قُبَابٍ مِنْ نَجْران جاءَ إلى رسول الله في وَفْد معَه ليُسْلموا، ولمّا مثُل بيْن يدَيْه قال له: “لا تُداوِي أحدا حتّى تعرفَ داءَه”، فقال الشمردل في أدب وتواضع: والذي بعثكَ بالحقّ، لأنت أعلم بالطب منّي.

حتّى إذا ما ترعرع الإسلام وقام على سوقه، وامتدّتْ حضارتُه في الآفاق ـ شرقا وغربا ـ ظهر أطبّاء مسلمون أَكْفَاء، وعلى دراية هامّة بالأمراض، والفحوصات، واستعمال الأدْوِية، وصناعة العقاقير، بل حتى إنهم وضعوا كتبا هادية إلى الشفاء، وغيرها تدل على الوقاية من العَدْوَى، أو الانتشار الساحق: كالطاعون في الزمن السابق، أو كرونا في العصر اللّاحق.

ومِن أجلّ آثارهم الباقيَة منذ تلك القرون الخالية، وهي تذكّر بما لهم من أيادٍ بيْضاء في هذا الشأن، أشِيرُ على سبيل الذكْر لا الحصر. إلى ثلاثة فقط، وهم:

  • كتاب: فِردوس الحكمة / علي بن سهل بن ربن الطبري (169ـ247هـ = 785ـ861م).
  • كتاب: الحاوي في الطب / أبو بكر الرازي (251ـ313هـ = 865ـ925م).
  • كتاب: التصريف لمن عجزعن التاليف / (939هـ = 1013م).

ويقول الدكتور محمد فؤاد الذاكري بهذا الخصوص: “كتب العرب في ميدان العلوم الطبية، صفحات رائعة من تاريخ معالجة البشرية، ولا تزال أسماء الأطباء من أمثال: ابن سينا والرازي والكِنْدي وغيرهم، مسجلة في صفحات التاريخ، باعتبارهم ممّن أسهموا في ميادين التقدّم العلمي والاجتماعي…وما لهم من أثر في الحضارة الإنسانية”.

وإني مُعْجَبٌ اليوم، أنّ العشرات ـ بل المئات ـ من أطبائنا الميامين في بلاد الغرب، يقبعون في مخابرهم، ساهرين بجدّية من أجْل متابعة وتقصّي الأمراض الفتاكة، ومنها هذا المرض المستجَدّ في عصرنا، بعد أن مرّ عليه أكثر من سنتيْن، ولمّا يجدوا له حلّا قطعيًا، ولا شفاء نهائيّا، بل لا يزال يتحوّر، ويطالعنا مِن حين لآخر بأنواع لا قِبَل للأطباء بها، وهم ما شاء الله حتى اللحظة، يتصدّرون المشهد الوبائي في مشافي عديدة، ومصحات ومختبرات متوفرة في كل مدينة فرنسية، بحثا عن لقاح أو مَصْل، يوقفون به نهائيا انتشار وعدوى هذا المتحوّر سواء القديم أو الحديث، دون أن يعلم بهم أحد، إلا من اكتشفهم كوسائل الإعلام الطموحة  في التقصي، أو التواصل الاجتماعي؛ وأنا شخصيا اُطْلِق عليهم بكل افتخار: “جنود الرحمة والإغاثة”، لأنهم يصارعون مقاومة هذا الوباء الشرس، الذي يسكننا ولا يفارقنا في جميع مرافق حياتنا مهما تنوّعت أو قربت وبعدت..

لكنها بلا شك: عظمة الله، لمن يتجاهلها او لا يعرفها كِبْرًا أو نكرانا؛ وصدق ربُّ العزّة الذي تحدّى هؤلاء منذ الأزل، فقال تعليما وتفهيما: “يا معشر الجنّ والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان”. وهذا (السلطان) هو العلم وليس الإنسان.

آخر المواضيع