موقع إقـرأ إفادةمــقالاتيمفهوم السعادة عند الإنسان في العصر الحديث

محتوى ذو صلة

المؤلف

الشيخ صالح العود

المؤلف

• مُجاز في الشريعة من جامعة الازهر.

• باحث وكاتب في شؤون الدين والتربية والتعليم.

o ثلاثون عاما إذاعيا.

o خمسون عاما في مهنة التعليم.

• له مائة كتاب مطبوع في مختلف الموضوعات والموادّ العلمية.

• رصيده من المقالات تعد بالمئات، نشرت في عديد من الصحف والمجلات.

• حاضر وشارك في ندوات وملتقيات.

مفهوم السعادة عند الإنسان في العصر الحديث

بقلم: صالح العَوْد

دَأَبَ الإنسانُ منذ فجر حياته على البحث عن “السعادة” والركْض وراءها، كي يحصل عليها بأي ثمن.

لكن، ما هو كنه هذه السعادة، وما حقيقتها؟

لقد تضاربتْ في تعريفها الأقوال والاصطلاحات، وتباينَتْ في فهمها العقول والأفهام، واختلفت في تحديدها الأفكار والأنظار، سواء منهم الأخيار، أو الأشرار، أو الفجّار.

فَنَاسٌ يرَوْن أنَّ “السعادة ” هي الجاه العريض، والمَجْدُ العظيم.

ونَاسٌ يُحبّون أن تكون سعادتهم في تحقيق مُنْتَهى الأُمْنيات، وبلوغ أقْصَى الغايات.

فالتلميذ بهذا المقياس يجد سعادته في نجاحه خلال دراسته، خصوصا الجامعية منها.

والإداري سعادته يراها في حسن إدارته والتوفيق فيها.

ورجل الأعمال تكون سعادته في حصد الكثير من الصفقات التي تُغْرقُه في الكسب السريع، والمال الوفير.

والفنان يجد السعادة في تكريمه، وحصوله على جوائز تقديرية أو حتى تشجيعية.

والتاجر في جني الأرباح، وتعدد المداخيل.

والفتاة في بحثها عن فارس أحلامها الدائم بمواصفات دقيقة ومحددة.

والطبيب في تسلقه سُلّم الترقيات.

والمريض في إحساسه بالشفاء، والشعور بالعافية.

وآخرون لا يرون السعادة إلا في لذة يطاردونها، أو امرأة يعشقونها، أو شهرة يستحقونها، أو ثروة يكدّسونَها. لكنّ كلَّ هذه الأماني والآمال – وإن تحقّقت – فلا تصنع للإنسان سعادة تامة، ولا تجعله سعيدًا على الدوام، إذ سرعان ما يكتشف أنه لا بالجاه ولا بالجمال، ولا بالعزة والقوة، ولا باللذة والثروة يصل إلى نعيم السعادة، ولا الشعور بالطمأنينة، بل قد تزيده شقاء، وتجره إلى محنة، أو تقوده في بعض المواقف إلى الانتحار.

يقول المثل الإنجليزي: ليس ذهبا كل مَالَهُ بريقُ الذهب.

ويقول سقراط في هذا السياق: “كم مرة كان الجمال فيها ضحية لِغَاوٍ مُتَهَتّك . . . وكم مرة غرت القوة أشخاصًا فتهوروا في مشاريع لا طاقة لهم بها..

فناءَ كاهلُهم بالشقاء.. وكم من أشخاص بَعَثَ فيهم الثراء نوعا من الرخاوة.. طغت مضاره على كل ما كانوا يأملونه من نعيم.. وكم من أشخاص كان اسْمهم مِلْء َالسمع والبصر فكان مجدهم وثقة الناس فيهم عامِلَيْن في ضياعهم”.

ويقول الفيلسوف الفرنسي بَاسْكا في كتابه: “الخواطر”: “كلما حاولت البحث في أفعال الإنسان المختلفة، وجدت أن شقاء الناس كلّه راجع إلى أمر واحد هو عجزهم عن الاعتكاف، ومن هنا جاء ولع الناس بالضوضاء والجلبة، ومن هنا كان السجن عذابًا مروِّعًا، ولذة الوحدة أمرًا يستعصي فهمه، في الإنسان غريزة خفية تحمله على اللهو والانشغال في الخارج، مصدرها شعور مرير ببؤسه المتصل”.

والإنسان حينما خلقه الله، وكرّمه بالعقل فضّله على كثير من المخلوقات، هذا العقل الذي به يتفكّر على الدوام في أحواله الماضية، وشؤونه المستقبلية، يسبّب له – في كثير من الأحيان- الحزن والخوف: الحزن على ما مضى، والخوف مما هو آت، على عكس الحيوان: فهو قبل أن يقع في الآلام والتي قد تسوقه إلى الأسقام، يكون هادئ البال، طيب النّفس .

أما عقل الإنسان – على مكانته وفضله – فهو السبب في توارد الهموم، وتراكم الأحزان والغموم؛ ومن هنا قال ثابت بن قرة الطبيب العربيّ المشهور: “راحة الجسم في قلة الطعام، وراحة النفس في قلة الآثام، وراحة القلب في قلة الاهتمام، وراحة اللسان في قلة الكلام”.

لذا، اهتم الإسلام كثيرا بمعالجة النفس وأدوائها، فجعل الإيمانَ بالله، والشعور بالقناعة، والرِّضا بما قضى وقدَّر، وذِكْر الله، والصلاة، والاستقامة، من أهم أسباب “السعادة“، الأبدية، للنفس البشرية.

آخر المواضيع